مصر وطن يستعصى على التركيع، بلد يمرض ولا يموت، يغنى للموت بعدودة، يحنط الجثة ويضع بجانبها العطر لتبعث من قبرها مضمخة برائحة الياسمين، تنفجر القنبلة فى شوارعه فيتحدى ويتجمع فى مكان الانفجار، يستشهد الطفل فتزغرد أمه لتزفه إلى الجنة، يعده الإرهابى بالكابوس فيصر على الحلم، يساومه واضعاً السكين على رقبته فيستفزه بابتسامة ساخرة وتهكم قاتل، يبتر يده فيمسك القلم باليد الأخرى ليكتب شهادة وفاة الإخوان والإرهاب وتجارة الدين، يوم الجمعة وأنا فى طريقى إلى معرض الكتاب لحضور المقهى الثقافى وتوقيع كتابى «لماذا سقط الإخوان؟»، غمرنى هذا الإحساس، مصر حية وعايشة وحتعيش وحتكمل، رائحة بارود وشظايا قنابل وأشلاء جثث وعلى بعد أمتار معرض كتاب وخيام تضم خلاصة العقل وجمهور كالنحل يبحث عن رحيق فكرى وحبوب لقاح إبداعية، صالونات حوار ومقاهى جدل، زخم أفكار وزحام رؤى، الكل يقول «مكملين»، سواء مشرف أو مسئول أو حتى ناشر يخسر من جراء اضطراب وانعكاسات تلك الأحداث، حتى الناشر العربى لبنانى أو سورى أو خليجى أو مغربى لم أسمعه متبرماً أو شاكياً من انعكاس تلك الأحداث على عملية البيع والشراء، كلهم يقولون «الله مع مصر وربنا يعينكم وبإذنه ستنتصرون»، عندما وصلت إلى قاعة المقهى الثقافى وجدت المنصة محتلة بشباب إخوانى مصمم على إفساد الندوة، نصف ساعة بدأت بالإقناع الهادئ وانتهت بتدخل رجال الأمن، ولكن الملاحظ أن تأفف الجمهور منهم أعطاهم إنذاراً وأرسل رسالة مفادها «إن لم يتصرف الأمن سنتصرف نحن جمهور المعرض» وكانت الرسالة واضحة، ولذلك فهموها وآثروا السلامة، الأسئلة تنم عن وعى ورغبة فى معرفة ماذا حدث وإلى أين سنذهب؟، هل سقط الإخوان حقاً أم أن التنظيم هو الذى سقط والفكرة ما زالت حية وستتجدد طالما حصرنا مقاومة الإخوان واختزلناها فى الملف الأمنى فقط؟، هل نقبل الاعتذارات كما قبلنا المراجعات، ثم نفاجأ بعودة دراكيولا كما عاد عاصم عبدالماجد أكثر إرهابية ودموية بعد مراجعاته وتوبته المزعومة؟، هل المراجعات هى مراجعات التكفيريين والجهاديين فقط أم أن مناهج الأزهر تحتاج هى الأخرى وبشدة إلى مراجعات وتنقيح؟، هل مصر تحتاج كل هذه الأعداد من خريجى الأزهر؟ ولماذا ازدواجية التعليم ما بين التعليم العام والأزهرى؟، انتهت الندوة بمزيد من علامات الاستفهام ومع أمنيات ودعوات بألا يكون عنوان الندوة القادمة «لماذا عاد الإخوان؟».